نظم مركز السياسات ودراسات حل الصراع في الجامعة في رام الله وبالتعاون مع الممثلية البولندية في فلسطين، مؤتمراً حول الرواية الوطنية بين ذاكرة الماضي والاستراتيجيات المستقبلية، بمشاركة أكاديميين ومختصين فلسطينيين وبولنديين.
ويأتي هذا المؤتمر ضمن سياسة مركز السياسات ودراسات حل الصراع الهادفة الى اثراء المعرفة العلمية والأكاديمية لطلبة ماجستير حل الصراعات والادب والتواصل الثقافي، وتوفير مساحة للنقاش والحوار بين الطلبة ومؤسسات المجتمع المدني والشركاء الدوليين، كذلك يأتي المؤتمر بمناسبة مرور مئة عام على استقلال الجمهورية البولندية.
وخلال فعاليات المؤتمر استعرض مجموعة من الأكاديميين الفلسطينيين الرواية الوطنية والاشكاليات التي أحاطت بتطورها عبر القرن الماضي، ومحاولة الاستفادة من التجربة البولندية التي قدمها عدد من الأكاديميين البولنديين من خلال تسليط الضوء على تجربتهم في صياغة هويتهم الوطنية والتحديات التي واجهتهم.
وخصصت الجلسة الأولى من المؤتمر للحديث عن الرواية البولندية ومراحل تشكيل الهوية الوطنية البولندية والاشكاليات التي مرت بها عبر القرن الماضي، أما الجلسة الثانية فتناولت الرواية الوطنية الفلسطينية ودورها في تشكيل الهوية الوطنية والترويج لها، بالإضافة الى الاطلاع على مدى انتشار هذه الرواية في المجتمع البولندي.
وبدأ المؤتمر بكلمة ممثل رئيس الجامعة ونائبه للشؤون الاكاديمية دكتور زكي صالح والذي رحب بالضيوف وشكر الممثلية البولندية لدعمها هذا النشاط، واكد استعداد الجامعة ودعمها لكافة الانشطة الاكاديمية والثقافية التي تعزز هذا التعاون.
وبدورها شكرت السفيرة البولندية في فلسطين ألكسندرا ماكيب الجامعة ومركز السياسات ودراسات حل الصراع على استضافة هذا المؤتمر متمنية تعزيز التعاون في المستقبل.
وفي الجامعة الأولى قدمت الدكتورة ماغروستا غريب المتخصصة في العلوم الاجتماعية والانسانية، شرحا حول بعض الاشكاليات التي واجهت تشكيل الهوية الوطنية البولندية مابين الاشتراكية والعولمة والهوية الأوروبية، وأكدت ان هناك روايتين للشعب البولندي واحدة بطولية والثانية مأساويه تعكس ذكريات الحرب والمجازر، كما أوضحت ان الهوية البولندية مرت بعدة مراحل انتقالية لكنها نجحت في ان تكون امتدادا للهوية الأوربية عبر انضمامها للاتحاد الأوروبي.
وبدوره قارن الدكتور عبد الرحمن الحاج المتخصص في العلوم السياسية والمحاضر في جامعة بيزيت بين اوجه الشبه بين الرواية البولندية والفلسطينية، مشيرا الى ان الاحداث التي مر بها الشعب البولندي عبر التاريخ تعكس تعرضه للحروب والنكبات والنضال من اجل الدولة المستقلة، وان هذه الاحداث هي ذاتها التي مر بها الفلسطينيون عبر التاريخ، ودعا الفلسطينيين الى الاستفادة من التجربة البولندية في تشكيل رواية وطنية تجمع الكل البولندي بكافة اطيافه.
وفي كلمتها استعرضت الدكتورة كورنيلا كونسيزال الباحثة في التاريخ الاجتماعي لأوروبا الشرقية، تاريخ العلاقة بين الالمان والبولندين والذاكرة الجمعية للبولندين، واوضحت ان الذاكرة البولندية منقسمة الى عدة روايات، كذاكرة البولنديين الذي عاشوا تحت الحكم الروسي الاشتراكي، وذاكرة البولنديين في الجمهورية البولندية المستقلة، وذاكرة أخرى لمن عاشوا تحت الحكم الالماني، كما ركزت على عمليات المصالحة المجتمعية التي يقوم بها الجانبان البولندي والالماني لتجاوز الاشكاليات التاريخية التي مرت بها علاقات الشعبين من اجل خلق رواية واحدة مبنية على القيم الايجابية.
اما في الجلسة الثانية للمؤتمر ركزت الدكتورة دلال عريقات من كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الامريكية على اهمية الترويج للدولة من خلال استخدام الدبلوماسية العامة، أي القوى الناعمة الجاذبة والايجابية للترويج للامة وأهمية توسيمها، ومن اهم العوامل المستخدمة في عملية التوسيم هي العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسية والسياحة.
وأوضحت الدكتورة عريقات ان هناك عدة وجهات نظر بخصوص الفرق بين الدبلوماسية العامة والتوسيم فالبعض يعتبرها متشابهة والاخر يعتبرها متقاطعة، وأشارت الى ان الدبلوماسية العامة تختلف عن التوسيم الذي هو دور الافراد وليس دور الدول، لكل دوله ما يوسمها ويميزها عن غيرها من الدول ويعكس تفردها بما لا تملكه غيرها بعكس الدبلوماسية العامة التي تبحث عن ما هو مشترك بين الدول المختلفة حيث تتولى هذه المهمة المؤسسات الحكومية بعكس التوسيم الذي يقوم به الأفراد بمعزل عن الدولة على شكل حملات او شعارات وقد تختار الدولة أن ترعى مثل هذه الحملات العامة التي تصب في تغيير الصورة النمطية لدولة ما على الساحة الدولية من خلال مواطنيها وأشكال الابداع.
وتناولت الدكتورة ناهد حبيب الله المتخصصة في العلوم الاجتماعية تطور الهوية الوطنية الفلسطينة التي تشكلت وتأثرت بالتغيرات السياسية التي احاطت بها خلال القرن الماضي، واوضحت ان الهوية الوطنية والوعي الجمعي للفلسطينيين ساهما بشكل كبير في تشكيل الرواية الوطنية الفلسطنية من خلال استخدام الرموز الوطنية والذاكرة الجمعية لتشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية.
وبينت الدكتورة حبيب الله بان الوعي الفلسطيني بالهوية الوطنية بدء يتبلور مع نهاية الحكم العثماني وتطور وبروز الحس القومي بالتزامن مع الاحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة العربية وفلسطين بشكل خاص، وشددت على ان الهوية الفلسطينية نضجت وتجلت مع بداية ستينات القرن الماضى مع تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية التي وحدت الشعب الفلسطيني بمختلف اطيافه وفئاته، واستطاعت خلق رواية وطنية تمثل الكل الفلسطيني.
واعتبرت الدكتورة حبيب الله ان الفترة ما بعد اتفاقية اوسلو خلقت بلبلة في الصف الفلسطيني، حيث ان القيادة الفلسطينية لم تعمل على تطوير هذه الرواية لتحاكي التغيرات السياسية الناتجة عن اتفاقية أوسلو.
وفي كلمته أكد الدكتور كونراد بدزيتر المتخصص في العلوم الاجتماعية على ان تأييد الرواية الفلسطينية في بولندا ما زال ضعيف خاصة مع الانتشار القوي الواسع للرواية الاسرائيلية التي يتم تبنيها من قبل الاغلبية البولندية، واعتبر ان هذه الشعبية التي تتحلى بها الرواية الاسرائيلة زادت بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة، ودعا الى تبني خطوات جديدة للترويج للقضية الفلسطينية والرواية الفلسطينية في بولندا.